جدار عازل

اصطبغت عيناها بالحمرة دليل على أرق ممتد منذ ما يزيد على 3 أيام يتخلله بكاءا صامتا.. عندما تعجز عن منح ضميرها اليقظ قسطا من الراحة ،

هى لا تدرى ان كان الامر يستحق هذا الصراع الداخلى الذى لا يهدأ بل تثيره اقل كلمة يلقيها أحد على مسامعها دون قصد.. أو يزيده اشتعالا مشهدا عابرا تصطدم به فى حياتها اليومية

حياتها اليومية التى توقفت منذ ان حدث ما حدث

تساقطت الجدران العاجية التى أمعنت فى عزل نفسها داخلها بعيدا عن الأخريين ولفحتها رياح العراء

كيف تجرأت على الحياد عن مبدأها فى الحياة بل والقذف به بعرض الحائط وكأنها لم تتعايش معه طوال سنوات عمرها الثلاثون ، أفجأة تتضائلت قيمة كل شىء ؟

حتى قيمتها هى قد اهتزت فى نظرها ولذا لم تعد تنظر فى المراّة ، تتحاشى اكتشاف حجم الضعف والخذلان الذى استباح ملامحها دون ذرة شفقة ..او اعطاء فرصة ثانية لتصحيح الأوضاع

الحياة غالبا ما تمنحك فرصة واحدة بعد اشتباكات عنيفة معها ، ولذا لك ان تتخيل احتمال ان تجود عليك بفرصة ثانية .. لن يزيد ذلك عن 1 بالمائة فى أفضل الأحوال !

اذا أردت ان تعلم ماذا أصابها فلا بد أن ننسحب بالكاميرا تدريجيا من تلك الغرفة المغلقة التى استقرت هذه الفتاة على أرضيتها فى أحد الأركان لنتركها و نعود الى الوراء قليلا ، اليوم التى أخبرها فيها أحد زملائها أنها على وشك الارتقاء الى درجة وظيفية أعلى لم تكن تتوقع يوما أن تنالها وخاصة أنها تلى مركزها الحالى بما يقارب 3 درجات وظيفية دفعة واحدة ….دهشة ثم ابتسامة خفيفة سرعان ما غادرت وجهها عندما أرسل الذهن اشارات للتنبيه مفاداها أن شيئا ضده يحدث وأنه لن يقبل باستيعابه وتمريره هكذا فتوجهت مباشرة الى مديرها ، كان رجل هادىء وقور لكنه لم يبدى يوما تقديرا أو دعما لأى من الفريق الذى يعمل معه .. فقط ايماءات بالرأس لا تفهم منها شيئا سوى أنه لم يضعك فى القائمة السوداء بعد

منذ أن جاء الى موقعه فى العام الماضى لم تحتك به بشكل مباشر أو غير مباشر ، الحقيقة أنها كانت تظن أحيانا انه لا يراها .. لم يزعجها ذلك على أى حال لأنها ليست من النوع الشغوف بعقد علاقات مع الاخريين وخاصة مع من هم مثله و الذين يشعرونك بالتوتر أثنا وجودهم دون سبب واضح

طرقت على باب غرفته بخبطات سريعة ومن شدة توترها لم تنتظر حتى يأذن لها بالدخول .. لكن أراحاها نوعا انها سمعت همهمات فى اللحظة التى دلفت فيها الى الغرفة واستنتجت أنها تصريحا بالدخول منه

وجدته منهمكا فى استخدام جهاز حاسبه الشخصى وقبل أن يلتفت اليها لمحت صورتها محتلة الشاشة بالكامل

كان ينظر لها فى هدوء لكن علامات الارتباك يمكنك ان تقتنصها بسهولة من حدقتي عيناه النافذتان

شحنة من الثقة استطاعت الشعور بها تندفع الى خلاياها العصبية مما أعطاها احساسا مفاجئا بالقوة وجعلها تبادر بالحديث ..

( كنت أريد التحدث بشأن ما يجرى )

الجملة جاءت فضفاضة دون قصد منها حيث يمكن اعتبارها تستفسر ايضا عن سبب وجودها على شاشة حاسبه فى تلك اللحظة

( انها المرة الاولى التى أرى فيها شخصا يطلب مبررا لترقيته ) .. أزعجها انه يحاول التغطية على ما رأته عند دخولها الى مكتبه

( أنا لا اطلب مبررا ، أنا فقط أريد توضيحا لما سيكون عليه مصيرى اذا فشلت فى المهمة الجديدة )

( لن تفشلى … لن نطلب منك القيام بأى أعباء اضافية تزيد عن مهامك الحالية على أى حال )

( ولماذا الترقية اذن ! )

صمت للحظات ثم قال

( نحن فقط وقع اختيارنا عليك لأن الشركة ستعقد صفقة مع منظمة أجنبية فى أخر العام وهم متحفظين نوعا فى التعامل مع المحجبات ولذا قمنا بنقل فاطمة مؤقتا الى ادارة أخرى لتتولى انتى هذا المنصب حتى يتنسى لنا الاعتماد عليكى كواجهة )

( أنا لا أقبل أن يتم استخدامى بتلك الطريقة )

( أية طريقة ! .. أنت من قمت بخلع الحجاب ولذا رأينا أنك يمكنك القبول بمكانة تتماشى مع قرارك هذا )

( أنا لا أتحدث عن الحجاب هنا رغما أننى أرى أنه قضية شخصية ليس من المفترض اقحامها أو بناء قرارات تخص مستقبلى على أساساها .. أنا أتحدث عن حصولى على منصب لا أستحقه بينما توجد فتاة أخرى جاهدت بالفعل لتصل اليه .. من أنا لأقوم بمحى كل ما فعلته هى ، فقط لأننى كشفت عن جزء كنت أخفيه من جسدى ! )

( فاطمة ستعود الى منصبها فور انتهاء الصفقة والأمر نفسه بالنسبة اليك .. لا داعى لاعطاء الامور أكبر من حجمها )

( أنا لا أستطيع قبول هذا )

( بالتأكيد .. لكن لا تنسى ان المالك لا يقبل بفتيات دون حجاب فى شركته .. نحن فقط نحاول أن نساعدك هنا )

لا تستطيع أن تتذكر ماذا حدث بعد ذلك .. أو ربما تتعمد ألا تتذكر

لأنها قبلت ، لأنها لم ترد العودة خالية الوفاض الى المنزل وتبقى أياما دون عمل وسط أسرة جعلتها تقبل بوظيفة تتطلب التواجد من السابعة صباحا وحتى التاسعة مساء .. يمكنك أن تستنتج طبيعة الأشخاص الذين تضمهم هذه العائلة الصغيرة

ورغم هذا فهاهى مجبرة على التواجد بينهم الى أجل غير محدد بعدما استبعدها رئيسها لأنه خمن أن قبولها بهذا الأمر يعنى استعدادها الى ازاحة الأخريين بأى طريقة فى سبيل الحفاظ على مكانتها

ما يوجعها أنها فقدت كل شىء ..حتى صمام الأمان الذى كان يمثل لها حائط الصد ضد تقلبات الحياة

الذى تحاول فعله الان هو البحث عن شيئا تستند عليه لتنهض من جديد

لكن عليها ان تجيب على السؤال فى البداية

هل بقى من الأساس شيئا بداخلها يصلح للقيام بتلك المهمة ؟

 

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *